فصل: تفسير الآية رقم (1):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تيسير التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (112- 113):

{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (113)}
رغدا: كثيرا واسعا. بأنعم الله: بنعم الله.
في هاتين الآيتين مثلٌ يضربه الله لأهل مكة ولكل من يأتي بعدهم ممن يجحدون النعم وكفرون بها وهم آمنون مطمئنون ولا يعتبرون، فبين الله صفةً لقريةٍ كان اهلُها آمنين من العدو، يأتيها الرزق الكثير من كل مكان، فكفروا بنعم الله ولم يشركوه، فعاقبهم الله بالمصائب التي أحاطت بهم، وذاقوا مرارة الجوع والخوف عبد الغنى والأمن.
وقد جاءهم رسول منهم، فكذّبوه عناداً وحسدا، فأخذهم العذاب واستأصل شأفتهم، بسبب ظلمهم وكفرهم.
فهذا المثل ينطبق على أهل مكة حيث كانوا آمنين مطمئنين، فيها بيتُ الله الحرام وجميع العرب، يعظّونه ومَم دخَلَه كان آمنا لا يجرؤ احد على إيذائه، وكان الناس يصِلهم الأذى من حولهم، واهلُ مكة في حراسة البيت وحمايته آمنون مطمئنون كذلك كان رِزقهم يأتيهم من كل مكان مع الحجيج والقوافل منذ دعوة ابراهيم الخليل.
وجاءهم رسول منهم يعرفونه صادقاً أميناً بدعوهم إلى ما فيه كل الخير لهم وللناس أجمعين فكذّبوه، فأذهبُ اللهُ هيبتهم، ونصر رسوله عليهم، وعادت مكة إلى حظيرة الاسلام.

.تفسير الآيات (114- 119):

{فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (114) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (115) وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (117) وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (118) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (119)}
{فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله حَلالاً طَيِّباً واشكروا نِعْمَةَ الله إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}.
بعد أن بين الله حال الجاحدين بنعمة الله وكيف عاقبهم، يقول للمؤمنين: إذا كان المشركون يكفرون بنعم الله فيبدّلها بؤساً وعذابا، فكلوا ما رزقكم الله من الحلال، واشكروه على ما أنعم عليكم ان كنتم تعبدونه بإخلاص. وبعد أن امرهم بالاكل من الحلال الطيب بيّن ما حرم عليهم فقال: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الميتة والدم وَلَحْمَ الخنزير وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ فَمَنِ اضطر غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} تقدم تفسير هذه الآية في سورة البقرة وفي الآية 4 من سورة المائدة بأوسع من ذلك.
{وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الكذب هذا حَلاَلٌ وهذا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ على الله الكذب}.
ولا تحللوا ان تحروما كذباً وزورا دون استناد إلى دليل، لتفتروا الكذب على الله. ثم اوعد المفترين وهددهم اشد التهديد فقال: {إِنَّ الذين يَفْتَرُونَ على الله الكذب لاَ يُفْلِحُونَ}.
ان الذين يختلقون الكذب على الله من عند انفسهم لا يفوزون بيخر ولا فلاح.
ثم بين ان ما يحصل لهم من المنافع بالافتراء على الله ليس شيئا مذكورا إذا قيس بالضرر ا لذي يصحل منه فقال: {مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
ان ما يحصل عليه من الفوائد بسبب جرأتهم وكذبهم شيء قليل من المنافع يتمتعون به، ولهم في الآخرة عذاب شديد.
{وعلى الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ ولكن كانوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}.
في هذه الآية اشارة إلى ما تقدم في سورة النساء: {فَبِظُلْمٍ مِّنَ الذين هَادُواْ....} [النساء: 160] وما ظلمناهم بتحريم ذلك عليهم ولكن ظلموا انفسَهم بمعصيتهم لربهم وتجوزِهم حدوده.
ثم بين الله تعالى ان الافتراء على الله وانتهاك حرماته لا يمنع من التوبة التي يتقبلها الله منهم، ويغفر لهم رحمة منه وتفضلا فقال: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ السواء بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وأصلحوا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
{كَتَبَ رَبُّكُمْ على نَفْسِهِ الرحمة} [الانعام: 54]، فمن تاب واصلح فان يغفر له، وباب التوبة عنده مفتوح دائما للخاطئين.

.تفسير الآيات (120- 124):

{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (121) وَآَتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (122) ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (123) إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124)}
أمة: اماما، والامة: الرجل الجامع لخصال الخير. فانتا: مطيعا. حنيفا: مائلا عن الباطل، مستقيما. اجتباه: اختاره واصفاه.
{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ المشركين إلى قوله: لَمِنَ الصالحين}.
بعد أن بين ما حرم على اليهود خاصة، وكان مشركو قريش يدعون انهم على ملة ابراهيم فيما يحرموه على انفسم ويجعلونه لآلهتهم، يبين الله تعالى هنا حقيقة دين ابراهيم ثم بعد ذلك يأمر الرسول الكريم باتباعه.
ان ابراهيم كان إماماً جامعاً لكل الفضائل، مطيعاً لله متبعاً للحق، ولم يكن من المشركين، وكان موحِّداً ليس يهودياً ولا نصرانياً، شاكرا لنعمة ربه، اختاره للنبوة، وهذاه إلى الحق، وحبّبه إلى جميع الناس، فجميعُ أهل الاديان يعرتفون به وهو في الآخرة في زمرة الصالحين.
وبعد أن وصل ابراهيم بهذه الصفات الشريفة التي بلغت الغايةَ في علوم المرتبة- أمر نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم باتباعه فقال: {ثُمَّ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ أَنِ اتبع مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ المشركين}.
ثم اوحينا اليك ايها النبي باتباع ملة ابراهيم الحنيفة السمحة الخصالة من الشرك والزيغ والضلال، وذلك كرمر الله تعالى قوله: {وَمَا كَانَ مِنَ المشركين} ثم نعى الله على اليهود ما اختلفوا فيه وهو يوم السبت فقال: {إِنَّمَا جُعِلَ السبت على الذين اختلفوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ القيامة فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}.
فاما تحريم السبت فهو خاص باليهود الذين اختفوا فيه، وليس من ديانة ابراهيم، وليس كذلك من ديانة محمد السائر على نهج ابراهيم، وان ربك ليفصل بين الفريقين في الخصومة والاختلاف ويجازي كل فريق بما يستحق من ثواب وعقاب.
وايراد هذه العبارة بين سابق الكلام ولاحقه انذار للمشركين وتهديد لهم بما في مخلافة الانبياء من عظيم الوبال، كما ذكر مثل القرية فيما سلف.

.تفسير الآيات (125- 128):

{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)}
ثم ختم الله تعالى هذه السورة المباركة باربع آيات فيها مثال الكمال، وجماع الاخلاق الفاضلة والتسامح والصبر، والحثّ على التحمل، ووعد بأننا إذا تحلّينا بهذه الاخلاق فانه سيكون معنا وينصرنا ويوفقنا.
ادعُ يا محمد إلى دين ربك بالحكمة، والقول اللطيف بالموعظة الحسنة، وجادل من يخالفك بالتي هي احسن، وان اردتم عقاب من يعتدي عليكم ايها المسلمون فخذوا حقكم بان تعاقبوا بمثل ما فعل بكم، وتأكدوا انكم ان صبرتم وتسامحتم ولم تقتصوّوا لانفسكم فإنه خير لكم في الدنيا والآخرة، لما في ذلك من ضبط النفس واستجلاب القلوب. عاقِبوا لأجل الحق، ولا تعاقبوا لأجل انفسكم.
ثم يلتفت الخطاب إلى رسول الله {واصبر وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بالله وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ}.
فلا يأخذك الحزن لان الناس كلهم لا يهتدون، فانما عليك واجب اداء الرسالة، اما الهدى والضلال فهما بيد الله، ولا يضيق صدرك من مكرهم وتدبيرهم، فالله كافيك اذاهم، وناصرك عليهم. وقد وفى بوعده.

.قراءات:

قرأ ابن كثير واسماعيل: {في ضيق} بكسر الضاد. والباقون: {في ضيق} بفتح الضاد.
ثم تأتي الختمة الحسنة في قوله تعالى: {إِنَّ الله مَعَ الذين اتقوا والذين هُم مُّحْسِنُونَ}.
ان الله مع الذين اتقوا محارمه فاجتنبوها، والذين يحسنون في كل شيء، فأولئك لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
نسأل الله تعالى ان يجعلنا منهم، وان يوفق هذه الامة إلى الاحسان والتقوى والاتحاد، والحمد لله رب العالمين.

.سورة الإسراء:

.تفسير الآية رقم (1):

{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)}
سبحانه الله: تنزيها له عن كل ما لا يليق بجلاله. أسرى: سار ليلا. المسجد الحرام: مسجد مكة. المسجد الاقصى: الحرم في بيت المقدس، وهو اقصى، أي بعيد بالنظر إلى الحجاز.
تنزيها لله الذي اسرى بعبده محمد في جزء من الليل، ومن المسجد الحرام بمكة إلى المسجد الاقصى ببيت المقدس، ذلك المسج الذي جعلنا البركة فيه وحوله لسكّانه في معايهشم وقواهم، لنُري عبدنا محمدا من أدلتنا ما فيه البرهان الكافي والدليل الساطع على وحدانيتنا وعظم قدرنا. ان الله الذي اسرى بعبده هو السميع لما يقول هؤلاء المشركون من أهل مكة، البصير بما يفعلون.
حادث الاسراء:
كان حادث الاسراء في ليلة 27 من رجب قبل الهجرة بسنة واحدة، وقد حصل الاسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى بالجسد والروح فعلا، ولوم كان الاسراء بالروح فقط لما كان في ذلك شيء من العجب، ولما قامت ضجة قريش، وبادروا إلى تكذيبه.
فالرواية تقول ان الرسول الكريم كان نائما في بيت انبه عمه ام هانئ، فأُسري به ورجع من ليته وقص القصة على ام هانئ، ثم قام ليخرج إلى المسجد فتشبثت ام هانئ بثوبه، فقال لهاه: مالك؟ قالت: اخشى ان يكذّبك قومك ان أخرتهم: قال: وان كذّبوني. فخرج فجلس اليه أبو جهل، فاخبره رسول الله بحديث الاسراء، فقال أبو جهل: با معشر بني كعب بن لؤي، هلُم. فحدّيهم. فاستنكر القوم ذلك، فمن مصفق وواضع يده على رأسه تعجبا وانكارا. وارتد ناس من المسلمين. وسعى رجال إلى أبي بكر رضي الله عنه قال: أوَ قال ذلك؟ قالوا: نعم. قال: فأنا أشهد لئن قال ذلك لقد صدق. قالوا: فتصدّقه في ان يأتى الشام في ليلة واحدة ثم يرجع إلى مكة قبل ان يصبح؟ قال: نعم، انا أصدقه بأبعدَ من ذلك، اصدقه بخير السماء. فسُمّيَ الصدّيق. وكان منهم من سافر إلى بيت المقدس، فطلبوا اليه وصف بيت المقدس فوصفه لهم وصفا دقيقا، فقولوا أخبرْنا عن عِيرنا، فأخبرهم بعدد جمالها واحوالها، وقال: تَقْدُم يوم كذا، فكان كما قال. وفي الليلة ذاتها كان العروج إلى السماء من بيت المقدس.
بيت المقدس بناه العرب الكنعانيون، واليبوسيون منهم، على جبل صهيون نحو سنة 2500 قبل الميلاد. وكلمة (صيهون) كنعانية أخذها اليهود وجعلوها شعاراً لهم. والرحلة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى رحلة تربط بين عقائد التوحيد الكبرى من لدن ابارهيم واسماعيل عليهما السلام إلى محمد خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم. كما تربط من الاماكن المقدسة لديانات التوحيد، وتعيد الحق إلى أهله. والمقصود من هذه الرحلة العجيبة اعلان وراثة الرسول الاخير لمقسات الرسل قبله، واشتمال رسالته على هذه الرحلة العجيبة اعلان وراثة الرسول الاخير لمقدسات الرسل قبله، واشتمال رسالته على هذه المقدسات واراتباط رسالته بها جميعا، فهي رحلة ترمز إلى ابعد من حدود الزمان والمكان، وتشمل آمادا وآفاقا أوسع من ذلك.
كما أنها تتضمن معاني اكبر من المعاني القريبة التي تنكشف عنها النظرة الأولى. وهي آية من آيات الله، تفتح القلب على آفاق عجيبة في هذا الوجود، وتكشف عن الطاقات المخبوءة في كيان هذا المخلوق البشري، والاستعدادت الدينينة التي تيهيأ بها لاستقبال فيض القدرة في اشخاص المختارين من هذا الجنس الذي كرمه الله وفضله على كثير من خلقه.
وفي هذه الآية الكريمة يدلنا الله تعالى إلى ان بيت المقدس والشام أجمع هي بلادنا وملك لنا فسارِعوا إلى اخذها. ولم تمض عشرون سنة حتى كانت في حوزة المسلمين وبقيت وستبقى إلى الأبد في أيديهم مهما كانت الغمّة القائمة.
ومهما جمعت اسرائيل من قوة واسلحة ودعمها الامريكان والانكليز وغيرها فانها سوف تزول، ولسنا نشك في ان دائرة السوء ستدور عليهم جميعا، ويذهب هذا الباطل، وينمحي ذلك في الزيف والكذب وتبقى القدس عربية مسلمة، وتبقى الصخرة المشرفة، ومسجد عمر {لِلَّهِ الأمر مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المؤمنون} [الروم: 4].

.تفسير الآيات (2- 3):

{وَآَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا (2) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3)}
الكتاب: التوراة وكيلا: كفيلا تكلون اليله اموركم.
وقد أعطينا موسى التوراة، وجعلنا فيها هدايةً لبني اسرائيل، وقلنا لهم لا تتخذوا غير الله إلهاً تفوّضون اليه أموركم، فانكم أبناء نبي كريم، هو ذلك العبد الشاكر، فاقتدوا به واستقيموا كما كان مستقيما، وكونوا شاكرين مثلَه ذاكرين كما كان.

.قراءات:

قرأ أبو عمرو وحده: {الا يتخذوا} بالياء. والباقون بالتاء.